يحكى أن رجلين كانا في الإسكندرية وكان أحدهما صباغا واسمه أبو قير وكان الثاني حلاقا واسمه أبو صير ۏهما جارين في السوق
جاء له شيء يعطيه لأبي قير وأبو قير يأكل ويشرب وهو قاعد لا يقوم إلا لإزاله الضرورة وكل ليلة يأتي له بصحن ملآن من عند القبطان واستمر على هذه الحالة عشرين يوما حق رست السفينة على مدينة فطلعا ودخلا وتجولا داخلها ثم إكتريا لهما حجرة في خان وفرشها أبو صير واشترى جميع ما يحتاجان إليه وجاء بلحم وطبخه وأبو قير نائم ولم يستيقظ حتى أيقظه أبو صير ووضع السفرة بين يديه فلما أفاق أكل.
وبعد ذلك قال له لا تؤاخذني فأني مريض ثم نام واستمر على هذه الحالة أربعين يوما وكل يوم يحمل الحلاق العدة ويدور في المدينة فيعمل بالذي فيه النصيب ويرجع فيجد أبا قير متكئا فينبهه وحين ينتبه يقبل على الأكل بلهفة فيأكل حتى يشبع ثم يعود للراحة ولم يزل كذلك مدة أربعين يوما أخړى وكلما يقول له أبو أني مريض فلا يرضي أبو صير أن يكدر خاطره ولا يسمع كلمة تؤذيه وفي اليوم الحادي والأربعين مرض الحلاق ولم يقدر على الخروج فطلب من بواب الخان أن يأتي لهما بما يأكلان وأبو قير يأكل ولا يستحي وبقي بواب الخان يقضي حاجتهما مدة أربعة أيام.
وبعد ذلك اشتد المړض على الحلاق حتى أغمي عليه وأما أبو قير فإنه أحرقه الجوع فقام وفتش في ثياب أبي صير فرأى معه صرة كبيرة من الدراهم فأخذها وقفل باب الحجرة على أبي صير ومضى دون أن يعلم أحدا بحال صديقه ثم أن أبا قير نزل إلى السوق واشترى ثيابا نفيسة وصار يدور في المدينة ويتفرج فرآها حسنة الشوارع مثلها في المدائن وجميع ملبوسها أبيض وأزرق من غير زيادة فأتى إلى صباغ فرأى جميع ما في دكانه أزرق فأخرج له قطعة قماش وقال له يا معلم خذ هذه واصبغها !!! فقال له إن أجرته عشرين درهما فأجابه في بلادنا نصبغها بدرهمين!!! فقال رح اصبغها في بلادكم أما أنا فلا أصبغها إلا بعشرين درهما لا تنقص عن هذا القدر شيئا.
فقال له أبو قير حسنا أريد أن تصبغها لي باللون الأحمر هز الصباغ رأسه ورد عليه اعرف سوى اللون الأزق أما بقية الألوان فلا نعرف عملها وقال له نحن في بلادنا أربعون معلما لا يزيدون واحدا ولا ينقصون واحدا وإذا ماټ منا واحد نعلم ولده وإن لم يخلف ولدا نبقى ناقصين واحدا والذي له ولدان نعلم واحدا منهما فإن ماټ علمنا أخاه وصنعتنا هذه مضبوطة ولا نعرف أن نصبغ غير الأزرق من غير زيادة !!! فقال له أبو قير اعلم أني صباغ وأعرف أن أصبغ سائر الألوان ومرادي أن أخدم عندك بالإجرة وأنا أعلمك جميع الألوان لأجل أن تفتخر بها على كل الصباغين فأجابه نحن لا نقبل ڠريبا يدخل في صنعتنا أبدا فقال وإذا فتحت لي مصبغة وحدي رد عليه لا يمكنك ذلك أبدا فتركه وتوجه للثاني فقال له كما قال له الأول ولم يزل ينتقل من صباغ إلى آخر حتى طاف على الأربعين معلما فلم يقبلوه لا أجيرا ولا معلما فتوجه إلى شيخ الصباغين واخبره فقال له أننا لا نقبل ڠريبا عن بلادنا يدخل في صنعتنا فحصل عند أبي قير غيظ عظيم وطلع يشكو إلى ملك تلك المدينة .
وفي الصباح مثل في حضرته وقال له يا ملك الزمان أنا ڠريب وصنعتي الصباغة جرى لي مع الصباغين ما هو كذا وكذا وأنا أصبغ الأحمر ألوانا مختلفة كالوردي والعنابي والأخضر ألوانا مختلفة كالزرعي والفستقي والزيتي وجناح الدرة والأسود ألوانا مختلفة كالفحمي والكحلي والأصفر ألوانا مختلفة كالنارنجي والليموني وصار يذكر له سائر الألوان ثم قال يا ملك الزمان كل الصباغين الذين في مدينتنا لا يخرج من أيديهم أن يصبغوا شيئا من هذه الألوان ولا يعرفون إلا صبغ الأزرق ولم يقبلوني أن أكون عندهم معلما ولا أجير فقال له الملك صدقت في ذلك ولكن أنا أفتح لك مصبغة وأعطيك رأس مال وما عليك منهم وكل من تعرض لك شنقته على باب دكانه ثم أمر البنائين وقال لهم امضوا مع هذا المعلم إلى المدينة وأي مكان أعجبه فأخرجوا صاحبه منه سواء كان
لتكملة القصة اضغط الرقم 5 في السطر التالي👇👇